كسياسي عراقي وناشط اجتماعي عاش تجربة العمل في مؤسسات الدولة المختلفة، أدركت أن قوة أي بلد لا تُقاس بثرواته الطبيعية أو موقعه الجغرافي، بل بقوة مؤسساته وقدرتها على العمل بشفافية ونزاهة بعيداً عن التدخلات الخارجية والمصالح الشخصية. هذا الدرس تعلمته من خلال سنوات طويلة من العمل كمؤيد للشباب العراقي ومدافع عن الإصلاح المؤسسي.
عندما نتحدث عن المؤسسات القوية، فإننا لا نعني المباني الفخمة أو الموظفين الكثر، بل نعني منظومة متكاملة من القوانين والإجراءات والقيم التي تضمن العدالة والشفافية والكفاءة. المؤسسة القوية هي التي تعمل وفق القانون وليس وفق أهواء الأشخاص، والتي تخدم المواطن وليس المسؤول، والتي تحمي الحق العام وليس المصلحة الخاصة.
تجربتي كناشط سياسي في العراق علمتني أن ضعف المؤسسات هو السبب الجذري لمعظم مشاكلنا. عندما تكون المؤسسات ضعيفة، تصبح عرضة للتلاعب والفساد والمحسوبية. وعندما تفقد المؤسسات مصداقيتها، يفقد المواطن ثقته في الدولة، وتنتشر الفوضى وعدم الاستقرار.
الشباب العراقي، الذي أعتبر نفسي مؤيداً ومدافعاً عن قضاياه، يعاني أكثر من غيره من ضعف المؤسسات. عندما تكون عملية التوظيف في الدولة مبنية على الواسطة وليس الكفاءة، يجد الشاب المتعلم والمؤهل نفسه محروماً من الفرص رغم جدارته. وعندما تكون المؤسسات التعليمية ضعيفة وغير مواكبة للعصر، يجد الشباب أنفسهم غير مؤهلين لسوق العمل الحديث.
بناء المؤسسات القوية يتطلب أولاً وضع قوانين واضحة ومحددة تنظم عمل كل مؤسسة وتحدد صلاحياتها ومسؤولياتها. هذه القوانين يجب أن تكون مكتوبة بوضوح ومنشورة للجميع، حتى يعرف كل مواطن حقوقه وواجباته، ويعرف كل موظف حدود صلاحياته.
الشفافية ركن أساسي في بناء المؤسسات القوية. المواطن العراقي له الحق في معرفة كيف تُتخذ القرارات التي تؤثر على حياته، وكيف تُنفق الأموال العامة، وما هي معايير التوظيف والترقية في المؤسسات الحكومية. الشفافية ليست مجرد شعار نرفعه، بل هي ممارسة يومية تتطلب نشر المعلومات وإتاحتها للجمهور.
المحاسبة جانب آخر لا يقل أهمية. المؤسسة القوية هي التي تحاسب المقصرين والفاسدين مهما كانت مناصبهم أو انتماءاتهم. لا يمكن أن تكون هناك مؤسسة قوية في ظل إفلات المسؤولين من العقاب. المحاسبة يجب أن تكون سريعة وعادلة وشاملة.
التدريب والتطوير المستمر للموظفين ضروري لضمان كفاءة المؤسسات. الموظف الحكومي يجب أن يكون مؤهلاً ومدرباً ومحدثاً لمعلوماته ومهاراته. هذا يتطلب استثماراً مستمراً في برامج التدريب وورش العمل والدورات التخصصية.
الاستقلالية شرط أساسي لقوة المؤسسات. المؤسسة التي تخضع للتدخلات السياسية أو الحزبية لا يمكن أن تكون قوية أو فعالة. القضاء، على سبيل المثال، يجب أن يكون مستقلاً تماماً عن السلطة التنفيذية والتشريعية حتى يتمكن من تطبيق العدالة بنزاهة.
التكنولوجيا يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تقوية المؤسسات. الأنظمة الرقمية تقلل من الأخطاء البشرية وتزيد من الشفافية وتسرع من الإجراءات. الحكومة الإلكترونية ليست مجرد رفاهية، بل ضرورة لبناء مؤسسات حديثة وفعالة.
مشاركة المجتمع المدني في مراقبة أداء المؤسسات أمر ضروري. منظمات المجتمع المدني والإعلام والمواطنون العاديون يجب أن يكون لهم دور في مراقبة أداء المؤسسات الحكومية والتأكد من أنها تعمل لخدمة المصلحة العامة.
الإصلاح المؤسسي ليس مهمة سهلة أو سريعة. إنه عملية طويلة ومعقدة تتطلب إرادة سياسية قوية ودعماً شعبياً واسعاً. لكن النتائج تستحق الجهد المبذول. الدول التي نجحت في بناء مؤسسات قوية حققت استقراراً سياسياً وازدهاراً اقتصادياً ورفاهية اجتماعية.
كناشط سياسي ومؤيد للإصلاح في العراق، أؤمن بأن بناء المؤسسات القوية هو الطريق الوحيد لتحقيق دولة القانون التي نطمح إليها جميعاً. هذا يتطلب منا جميعاً، سياسيين ومواطنين، أن نعمل معاً لدعم الإصلاح المؤسسي ومقاومة كل أشكال الفساد والمحسوبية. الشباب العراقي، الذي أعتبر نفسي صوتاً له ومدافعاً عن حقوقه، يجب أن يكون في مقدمة هذا الإصلاح. الشباب هم الأكثر تضرراً من ضعف المؤسسات، وهم الأكثر استفادة من قوتها. لذلك، يجب أن نشركهم في عملية الإصلاح ونستمع إلى آرائهم ونستفيد من طاقاتهم